آباؤنا المؤسِّسون والذين خلفوهم، كانوا، في الحقبة الأولى، على جانب من الثقافة الروحية والعلمية إضافة إلى اضطلاع البعض منهم بعلم الطب. وقد تلقّنوا العلوم اللغوية والبيانية على أيدي رجال حلبيين أكفّاء أمثال الشيخ سليمان النحوي، أما علومهم الكنسية فقد تلقّنوها على أيدي كهنة، من خريجي معاهد رومة، أمثال الخوري ميخائيل بجع.
وعلى هٰؤلاء الآباء المؤسّسين تتلمذ جيل من الرهبان النبهاء الذين راحوا بدورهم يثقّفون ويعلّمون الرهبان لكي يستطيعوا القيام بعملهم الرهباني والرسولي في نشر الكلمة والدفاع عن الإيمان. وقد ساعدهم في إنجاز رسالتهم العلوم التي ٱكتسبوها، إضافة إلى فضل المطبعة التي أنجزها، سنة ١٧٢٣، العلامة الشماس عبدالله زاخر في عهد ابن عمه الرئيس العام الخوري نقولا الصائغ.
وراح جيل آخر من الرهبان يتتلمذ على يد العلامة والفيلسوف الخوري يواكيم مطران تلميذ الزاخر وواعظ الكرسي الإنطاكي.
ثم أعطت الرهبانية زخمًا قويًّا لنخبة من الرهبان الأذكياء الأتقياء، وكانت المساعي تبذل مع الكرسي الرسولي منذ العام 1730 للحصول على مركز في رومة، وقد تم ذٰلك في العام 1734 بحيث أنعم عليها بكنيسة “وأنطش” سيدة السفينة (النافيتشيلّا) بفضل قداسة سيرة المكرم المطران نيوفيطُس نصري أسقف صيدنايا. مما جعل الرهبانية تسرع في إرسال الطلاب لكي يتعلموا اللغات اللاتينية واليونانية والإيطالية والعلوم العالية كالمنطق والفلسفة واللاهوت والليتورجيا. وكان «القس نيكتاريوس ميره والقس بروكوبيوس عبد النور الطبيب أول من أرسل إلى رومية»، (مخطوط طرابلسي).
سنة 1738 أرسلت الرهبانية الأب موسى بيطار (باسيليوس مطران بعلبك لاحقًا) رئيسًا، ووضعت قوانين خاصة لجمهور الدارسين مكوَّنة من 17 بابًا. «ثم إن الرئيس رسم الأخ يوسف صرّوف الدمشقي، الذي أُرسل إلى رومة سنة 1736، شمّاسًا ثم قسًّا من يد مطران روم برومية في أنطوش القديس أثناسيوس. وذٰلك بٱختيار الرئيس العام والرهبنة» (مخطوط طرابلسي).
وبسعي الأبوين يوحنا نقّاش وتوما كرباج تم شراء المحلَّة التي شُيِّد عليها دير القديس باسيليوس قرب «الكوليزه» في العام 1767، فأُتيح للرهبانيّة أن تُكثر من إرسال الرهبان الدارسين إلى رومة.
وحصلت الرهبانيّة على مِنحٍ لطلّابِها في معهد القديس أثناسيوس المعروف بالمعهد اليوناني، فكان أوّلهم المطران يوسف العجلوني الشهير الذي دخل المدرسة في 16 أيلول 1764 وخرج منها في 15 آب 1770. وقد ٱلتزمت الرهبانية بهٰذا التدبير لاحقًا، ويؤكد ذٰلك أنه بعد ٱختتام المجمع العام في 8 تشرين الثاني سنة ١٩٠٧، اتخذت العمدة الجديدة قرارًا مفاده: «لا يُسمح لأحد من الرهبان بالذهاب إلى أوروبا بحجّة تلقّي العلوم فيها، ويُكتفى بالموجّهين إلى معهد القدّيس أثناسيوس في رومية». (الأب أثناسيوس حاج، الرهبانية الباسيلية الشويرية في تاريخ الكنيسة والبلاد، الجزء ٢، ص ٣٥٨).
وبقي الأمر كذٰلك حتى منتصف سبعينات القرن العشرين حيث توقف إرسال الرهبان بسبب الحرب التي عصفت بلبنان.
عند تأسيس إكليريكية سيدة البشارة في عين تراز سنة 1811 أُعدّت المدرسة لتضمّ طلّابًا موزّعين على الإكليرس العلماني والرهباني، الذي منه الرهبانية الشويرية.
في العام ۱۸۸۰ شيّدت الرهبانية، بالقرب من دير الصابغ، مدرسة سيّدة النياح وأسندت إدارتها إلى الخوري إكليمنضوس فرح. وراح طلاب الكهنوت من أبنائها يتتلمذون على أيدي كهنة متضلّعين في اللاهوت. ومع أواخر القرن التاسع عشر شعرت الرهبانية بأنها بحاجة إلى رفع المستوى العلمي بين أبنائها بحيث يصبح بمقدورهم مواكبة العصر والعلوم والثقافة، فقرر الرئيس العام، آنذاك، الإيكونومس يوسف الكفوري سنة ١٨٩٦، مع مجمع مدبِّريه، إرسال قسم من الرهبان ليتلقّنوا العلوم والفلسفة واللاهوت في جامعة القديس يوسف للآباء اليسوعيين في بيروت. عن ذٰلك يقول سجل تاريخ الرهبانية رقم 1 الصفحة ٣٥٢: «… وبدأً أرسلنا الإخوة الآتي أسماؤهم أدناه وهم: الأخ فيلبس سلموني وثاودورس معلوف وديونيسيوس كفوري وأفرام قاصوف ومتى سماحة، وقد وضعنا لهم بنود يسلكون بموجبها، وتوجهوا إلى بيروت في 3 كانون الأول ١٨٩٦».
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 توقف الرهبان عن متابعة دروسهم حتى انتهاء الحرب. وكان «أنّ أول من أنزلت إلى اليسوعيين بعد الحرب الأخ أثناسيوس حاج سنة ۱۹۲۰ فكان يقيم في الأنطوش» (سجل تاريخ دير مار باسيليوس – بيروت، ص 5).
في العام ١٩٢٢ أعاد الرئيس العام جاورجيوس حداد الرهبان من جديد إلى الجامعة اليسوعية في بيروت. عن هٰذه المرحلة يؤرِّخ سجل تاريخ دير مار باسيليوس في الصفحتين 5 و6 ما مفاده: «على عهد الرئيس العام البروتوسنكلوس جورجيوس حداد أنزلت الرهبانية إلى بيروت خمسة من تلامذتها وهم: ديمتريوس حاطوم وأمبروسيوس شماس وبندكتوس الحاج عبده وكيرلس جابر ويوحنا حلاق… ثم ألحقتهم بالأخوين ابراهيم الرياشي وإفتيميوس كرم، وأسكنتهم في جانح من الأنطوس المذكور تحت إدارة خاصة».
ثم ٱستأجرت الرهبانية بيت حبيب الشامي الواقع في شارع عبد الوهاب الإنكليزي.
وفي العام ۱۹۲۷ ٱبتاع الأب العام، ذاته، من بيت العجوري، بيتًا قديمًا ذا طبقتين، في شارع جرجي زيدان في بيروت، لسكنى الرهبان. «… وٱنتقل التلاميذ إلى البيت الجديد منذ سنة ١٩٢٧ إذ نزل أيضًا الإخوة إغناطيوس سركيس وأندراوس بردويل وديونيسيوس غيث وفيليبس حداد وأغسطينوس فرح. ثم ألحق بهم في سنة ١٩٢٩ الإخوة أيوب فلوح وإيرونيموس غيث واسبيريدون الرياشي وأرسانيوس عازار. كما أن الأخ أثناسيوس صوايا كان قد سبقهم إلى بيروت منذ سنة ١٩٢٦» (سجل تاريخ دير مار باسيليوس، ص 6).
«في ٢١ أيلول ١٩٣١، اجتمع الأباء (المدبّرون) من جديد، لأخذ بعض التدابير الملحة (من جرّاء الحرب) فقرّروا: توقيف دير بيروت خلال الحرب وإدخال الإخوة إيرونيموس غيث وبرنردس حداد وبرتلماوس (جورج) تتن إلى الكلية اليسوعية كطلبة إكليريكيين داخليين، وإرسال طلبة اللاهوت إميليانوس شريم وبروكوبيوس (أغابيوس) سماحة وأغاتون (ألكسيوس) معلوف، وطلبة الفلسفة ميخائيل حداد وجبرائيل قاعي وأناطونيوس (نقولا) قادري إلى الكلية الشرقية لمتابعة دروسهم فيها، على أن يدير شؤونهم المدبّر يوحنا حلّاق» (حاج، المرجع ذاته، ج۲، ص 574).
وفي عهد الأب العام استفائس سماحة (1934-١٩٤٩)، وبهمة ونفقة سلفه الخوري تيوضوسيوس معلوف، فكّرت الرهبانية جديًّا ببناء دير للرهبان على أرض الأشرفية. فٱبتدأت أعمال العمار في شهر حزيران 1934 بٱستلام المقاول الياس الرياشي وإشراف المهندس نقولا نقّاش، إبّان الزيارة الرسولية للأباتي نقولا مينيز البندكتي. وكان ٱكتمال البناء في 1 تشرين الأول 1936 حيث رأى دير مار باسيليوس النور، ونزل الإخوة إلى بيروت في هٰذا التاريخ، وقد دُشِّن الدير في 15 نيسان ۱۹۳۷.
من العام 1940 وحتى ٱندلاع الحرب اللبنانية الأخيرة سنة 1975 ودير مار باسيليوس يستقطب الرهبان الشويريين، يتثقّفون ويثقّفون الناشئة.
وبعد أن تعذر على الرهبان الوصول إلى دير مار باسيليوس في الأشرفية، تقرّر، في مطلع عهد الأب العام بولس عبده (1977-1989)، نقل الرهبان الدارسين إلى الخنشارة، حيث تسلّم النائب العام سمعان عبد الاحد إدارة الإكليريكيتَين الكبرى والصغرى ما بين 1978-1981.
ثم نقلوا، في العام ١٩٨١-١٩٨٢، إلى دير القديس أنطونيوس في كفرشيما، برئاسة الأب المدبر جورج تتن. ونظرًا لاشتداد الحرب وخطورة الطريق المؤدّية إلى الكسليك، أُعيد الرهبان إلى الصابغ، وعُهد إلى الأب تيودور حلاق برعايتهم.
في العام ١٩٨٦، وضع المطران حبيب باشا، متروبوليت بيروت، بتصرّف الرهبانية مقرًّا في ذوق مكايل، حيث كنيسة مار باسيليوس الكائنة على وقفية باسيل يارد.
وقرّرت الرهبانية إنشاء دير جديد في ذوق مكايل، نظرًا لقربها من جامعة الروح القدس في الكسليك، ليكون مقرًّا للرهبان يرتاحون فيه ويسعون للعمل والنشاط وطلب العلم والثقافة والمعرفة، فتم لها ذٰلك سنة ١٩٨٨، في عهد الأب العام المذكور، على أرض كان قد وهبها «كوقفيّة» لدير الصابغ، المحسن بشارة مغربل، وبمساهمة كبيرة من مؤسسة «Missio»، ووُضع هٰذا الدير تحت حماية العذراء «سيدة المدائح».
وٱنتقل الرهبان إلى ديرهم الجديد سنة 1990 في عهد أول رؤسائه الأب عبده عربش (يوحنا مطران الأرجنتين لاحقًا، ومن ثمَّ متروبوليت حمص وحماه ويبرود) وكان الجمهور مؤلّفًا من الإخوة التالية أسماؤهم: ديمتري فيّاض – بطرس الخوري – غريغوار التوم – باسيليوس معلوف – أندره فرح – شربل حجار – جان نصر الله – جورج تنوري – إيلي معلوف – جورج الرياشي – فادي أبو زيدان – موريس الفرن.
في عهد الأب العام فكتور حداد (۱۹۸۹ – ١٩٩٥) استُكمل ترميم الكنيسة المسمّاة «سيدة البشارة» المشيّدة، من قِبل المحسن المذكور، سنة 1904، وأُضيف، إلى بناء الدير، الطابق الأخير والمصعد الكهربائي، ونُقل الرهبان إلى معهد القديس بولس للآباء البولسيّين في حريصا.
وفي عهد الأب العام بولس نزها (۲۰۰۱ – ۲۰۰۷) رُمِّم الأنطش القديم ورُسمت جداريات هيكل الكنيسة، وأُعيد الرهبان إلى جامعة الروح القدس للرهبان اللبنانيين الموارنة، وتمّ، بمرسوم جمهوري، تعديل مرسوم الاستملاك الذي بموجبه وضعت البلدية يدها على قسم كبير من العقار 597 الذي يقوم عليه الدير، وعلى كامل العقار 604 المجاور، فأعيد العقار 597 إلى ما كان عليه قبل الاستملاك.
البث المباشر |
1688980276677_1688980276678 (2)
|