الرُّهبانيّة الباسيليّة الشويريّة
دير القدّيس باسيليوس الكبير – الأشرفيّة
من تاريخ إنشاءه إلى يومنا هٰذا
تأسيسه:
في عهد قدس الأب العام استفانوس الثاني سماحة (1934-1949)، وبهمّة سلفه قدس الأب العام ثاوضوسيوس الثاني معلوف (1928-1932)، فكّرت الرُّهبانيّة جدِّيًا ببناء ديرٍ للرُّهبانِ على أرض الأشرفيّة، ليلعب دور إكليريكيّةٍ كُبرى، فيكون مقرًّا للإخوة الدارسين في جامعة القدّيس يوسف (اليسوعيّة) في بيروت.
إبتاعت العمدة أرضًا في محلّة ساسين، وهي أعلى قمّة في الأشرفيّة، بقيمة 1900 ليرة عثمانيّة.
إبتدأت أعمال البناء في شهر حزيران عام 1934، بٱستلام المقاول الياس الرياشيّ، وتحت إشراف المهندس نقولا نقّاش، إبَّان الزيارة الرسوليّة للأبّاتي نقولا مِنييز البنديكتيّ، والذي أشرف بدوره على المشروع.
إكتمل البناء في الأوّل من تشرين الأوّل عام 1936، وٱنتهى ترتيبه في شهر آذار 1937. فأقامت الرُّهبانيّة حفلة تدشين الدير المؤسَّسِ على ٱسم القدّيس باسيليوس الكبير، وكنيسته الموضوعة تحت حماية المسيح الملك، خلال قدّاسٍ حبريٍّ ٱحتفل به صاحب السيادة المتروبوليت مكسيموس الصائغ، راعي أبرشيّة بيروت، وبرعاية صاحب السعادة السيّد ريمي م. لوبريتر (Remi M. Leprêtre) القاصد الرسوليّ في لبنان وسوريا، وكان ذٰلك في 15 نيسان 1937.
فنَظَمَ المدبّر الثاني، قدس الأب بطرس رحمة، تاريخًا شعريًّا أشار فيه إلى جهود قدس الأرشمندريت ثاوضوسيوس معلوف في النفقات والمساعدات التي ساهم بها لبناء الدير، خطَّه الخطّاط المعروف «سعدي» بخطٍّ فارسيٍّ جميل، وحُفِرَ على لوحةٍ فنيَّة بإزميلُ الفنّان البلغاريّ «روفائيل»، وُضِعَت، فيما بعد، فوق مدخل الكنيسة.
تيودوسيوس المعلوف شاد بفضله
في صدرِهِ ملكُ الملوك قد ٱستوى
وببابهِ التاريخ سجَّلَ آية
ديرًا به تُجنى العلوم فأبدعا
تجثو لعزَّته البرايا خُشَّعا
«اللهُ داخلُهُ فلن يتزعزعا» (مز 45: 6)
جرت عادة الاحتفال بعيد شفيع الكنيسة يوم أحد الشعانين من كلّ سنة، أمّا عيد شفيع الدير فكان يُحتفل به في الأول من شهر كانون الثاني (رأس السنة). وقد رأى، رئيس الدير، في ذٰلك الحين، الأب إغناطيوس سركيس أنَّ هٰذين التاريخَين لا يصلحان لعيد ديرٍ ولاحتفالٍ خاصّ، فٱقترح على مجمع المدّبرين بنقل عيد الدير إلى يوم 30 كانون الثاني، هو عيد الأقمار الثلاثة (باسيليوس الكبير، غريغوريوس اللاهوتيّ ويوحنّا الذهبيّ الفم)، وكان ذٰلك سنة 1954.
دوره:
لعب دير القدّيس باسيليوس الكبير دورًا كبيرًا في منطقة الأشرفيّة، نذكر على سبيل المثال:
– في أواخر شهر أيلول 1939، إنعقد المجمع التدبيريّ، وقرّرت العمدة تقديم الدير موقّتًا، لمدّة سنة، لمصلحة الجيش الفرنسيّ الصحيّة، ليكون بيت نقاهةٍ، إعرابًا للدولة الفرنسيّة عن إخلاص الرُّهبانيّةِ لها.
– عمل الإخوةُ في الدير على تدريس التعليم المسيحيّ في العديد من الكنائس، والمدارس الخاصّة (مثلاً: مدرسة المخلّص ومدرسة كفرشيما)، والمدارس الرسميّة في الأشرفيّة ورأس بيروت، والتمرُّسِ على الخدمة الرعويّة في كنيسة الدير.
– على صعيد الإدارة العامّة، شهد الدير على مدى تاريخه، إنعقاد جلسات لبعض المجالس التدبيريّة لعمدة الرُّهبانيّة، والاجتماعات الدوريّة لمجلس الرؤساء العامّين للرُّهبانيّات اللبنانيّة.
– إتّخذته اللجنة الفاحصة للكهنوت التابعة للأبرشيّات والرُّهبانيّات الملكيّة مقرًّا لإجراء فحوصات اللاهوت.
– أمَّهُ للسكن آباء المطبعة الشويريّة الحديثة في بيروت، والكاهن الذي كان يهتمُّ باللاحئين الفلسطينيّين في العام 1948 وما بعده.
– إستقبل في دار ضيافته العديد من المطارنة والكهنة في الطائفة إضافةً إلى الآباء القادمين من الأديار والمراكز لقضاء حاجاتهم في بيروت.
– كما إستقبل الرعيل الأوّل من الراهبات الباسيليّات الشويريّات الدارسات في كليّة الناصرة.
– خُصِّص قسمٌ من الدير لقَبول بعض الشبّان الرصينين، كطلبة داخليّين.
– شهد العديد من الرسامات الشماسيّة الإنجيليّة والكهنوتيّة للرهبان الدارسين الذين تخرّجوا منه.
– عمل بعض آباء جمهورِهِ في المحكمة البدائيّة في بيروت، وقام آخرون بإلقاء محاضرات متنوّعة بُثَّت من الإذاعة اللبنانيّة.
– على صعيد الخدمة الرعويّة، كان الآباء الدارسون يساعدون في إقامة القداديس في الكاتدرائيّة وكنائس: المخلّص، مار مطانوس، الدامور، … كما كان الدير يؤمّن قداديس الآحاد للرعيّة في كنيسة راهبات القلبين الأقدسَين في السيوفي، والقدّاس اليوميّ للراهبات، وكذٰلك قدّاسًا شهريًّا بحسب الطقس البيزنطيّ لراهبات مار يوسف الظهور.
– كان الآباء يتناوبون على تأمين القداديس والخدمة الروحيّة للراهبات الشويريّات ومرضى مستشفى الدكتور رزق.
– على الصعيد الرسوليّ، كان الدير مقرًّا لاجتماعات الشبيبة والأولاد (يومان في الأسبوع)، والرياضات الروحيّة، التي كانت تدوم أحيانًا لمدّة ثلاثة أيّام، للطلاّب الكاثوليك من مختلف كلّيّات جامعات بيروت.
هجره:
سنة 1975، إندلعت الحرب الأهليّة اللبنانيّة، فتعذّر على الرُّهبان الوصول إلى الدير، فعادوا إلى دير القدّيس يوحنّا الصابغ الخنشارة، وٱستلم قدس الأب سمعان عبد الأحد إدارة الإكليريكيّتَين الكبرى والصغرى، وكان ذٰلك في عهد قدس الأب العام بولس عبده (1977-1989).
وبعد هجر الدير، تعاقب على إشغاله الكثير من الجيوش والميليشيات، بسبب موقعه الإستراتيجيّ على أعلى هضبةٍ في الأشرفيّة. وبقي في عُهدة الجيش اللبنانيّ حتى سنة 1986، فأُصيب الدير بأضرارٍ ماديّةٍ كبيرة. وضعت الرُّهبانيّة الدير بتصرُّف المطرانيّة، مقابل بعض أعمال الترميم والإصلاح. إلى أن عادت وٱسترجعته في آواخر سنة 1999.
في شهر كانون الثاني عام 2000، أقامَت الرُّهبانيَّة ٱتِّفاقيّةً مع السيّدَين غابي دبّانة ورولان تمرز، المسؤولَين عن مدرسة «الزورق»، التي تُعنى بأصحاب الاحتياجات الخاصّة، كمساهمة في العمل الاجتماعيّ والإنسانيّ، وبقي النشاط جاريًا حتى توقّف عندما تبلورت فكرة إنشاء المشروع الجديد للدير.
تجديده:
في أواخر عهد قدس الأب العام بولس نزها (2001-2007)، طُرِحَت فكرة هدم الدير القديم، وإنشاء دير جديدٍ في الموقع نفسه، بالاتفاق مع رجل الأعمال السيّد مارسيل الغزال الغزال معوّض، الذي تبنّى هٰذا المشروع، وتعهّد بإنشاء بُرجَين، أحدُهما له والآخر للرُّهبانيّة. فنال ثقة الرُّهبانيّة وموافقتها، ومن ثمّ تمّ الحصول على الأذونات المناسبة من الكرسيّ الرسوليّ الرومانيّ.
عُقِدَ الاتفاق بين الطرفَين وبوشِرَت الأعمال في عهد قدس الأب العام سمعان عبد الأحد (2007-2013)، ووضع حجر الأساس للكنيسة، حضره غبطة أبينا البطريرك غريغوريوس الثالث لحّام، جاعلين الدير وكنيسته تحت شفاعة القدّيس باسيليوس الكبير، محدّدين الأوّل من شهر كانون الثاني عيدًا للدير.
عام 2016، في عهد قدس الأب العام الياس معلوف (2013-2019)، أصبح الدير جاهزًا للسكن، وكان أوّل جمهوره الأبوان يوسف شاهين (رئيسًا للدير) وبرنار توما (خادمًا لرعيّة المخلّص).
حاليًّا، يشغل الأب المدبّر نقولا الرياشي منصب رئيس الدير، والأب جورج نجّار خادم رعيّة المخلّص.
تصميمه الهندسيّ:
الدير: يقع مدخل الدير من الجهة الخلفيّة للبرج الخاصّ بالرُّهبانيّة، منه ندخل إلى حصن الرُّهبان المؤلّف من طبقتَين، إضافةً إلى الكنيسة، وتفصل بينهما ساحة تستخدم كمرآبٍ للسيّارات.
الكنيسة: تبلغُ مساحةُ الكنيسة ما يعادل 250 م2، وتُعدُّ هٰذه الكنيسة تحفةٌ فنيَّة في غاية الجمال، خصوصًا بالرسومات الإيقونوغرافيّة البيزنطيّة التي تزيّن سقفها وجدرانها، وتُظهر الأعياد السيّديّة الاثنتي عشرة الكبرى، بالإضافة إلى بعض الأحداث الإنجيليّة. كما وأنّها تحتوي على ذخيرة هامّة، موضوعة تحت المائدة المقدّسة، ألا وهي رفاة الأب العامّ المؤسّس لهٰذا الدير، قدس الأرشمندريت ثاوضوسيوس الثاني معلوف. بالإضافة إلى ذخائر للقدّيس باسيليوس الكبير، شفيع الدير، وشقيقته القدّيسة ماكرينا.
ومع هٰذا المشروع الجديد، تعودُ الرُّهبانيّة إلى العاصمة بيروت، لتكون حاضرة من خلال نشاطها الرُّوحيّ، الاجتماعيّ والاقتصاديّ.
إعداد الأخ المبتدئ جاورجيوس صليبا
* * *
المراجع:
– الأرشمندريت أثناسيوس حاج ق.ب. الرّهبانيّة الباسيليّة الشويريّة في تاريخ الكنيسة والبلاد. الجزء الثاني (1833-1966). زحلة: 1978.
– الأرشمندريت بولس نزها ق.ب. الرّهبانيّة الباسيليّة الشويريّة سجلّ الرهبان (1829-2016). الجزء الثالث. منشورات الرّهبانيّة الباسيليّة الشويريّة: بيروت: 2017.
– الأرشمندريت بولس نزها ق.ب. مخطوط: كلمته يوم وضع حجر الأساس لتجديد الكنيسة.