ديـر الـقـديس يوحنـا الصابغ
مهد الرهبانية الباسيلية الشويرية
في سنة 1710

نشأ هذا الدير في اواسط القرن السابع عشر مؤلفاً من معبد للقديس يوحنا الملقب بالصابغ او المعمدان وثلاث قلالي، ليكون منسكا وبيت عبادة. يقوم على طبقة صخرية عالية ، فصلتها عن الطبقة المقابلة عوامل الطبيعة في سحيق العصور، بوادي عيسى ونهرها الشتوي الذي لا يغادرها إلا جاعلاً من جنباتها مراعي طيبة ، ورياضاً عابقة اجواؤها بأريج الازاهير، وانغام الحساسين والشحارير في اول آب ۱۷۱۰، أتي الدير الراهب البلمندي القس سليمان كسرى الحلبي الملكي الكاثوليكي، رسولا من قبل رفاق له في التوحد الرهباني، من دير سيدة البلمند، يرغبون معه في تأسيس دير توحدي كاثوليكي قانوني، فوجد فيه ضالتهم المنشودة، نظرا لعزلته، وسكينته ، وطيب هوائه، وكثرة مائه ، فاتفق مع المتولي عليه الخوري رزق الله صوايا الشويري ، على العيش معه، متعهدا له برعايته رعاية اخوية مخلصة ، كما انه ظفر بموافقة امير المنطقة اللمعي ، وغبطة البطريرك كيرلس زعيم ، على استلام الدير، وتحقيق المشروع الرهباني التوحدي فيه.
لم يلبث البعض من رفاقه البلمنديين ان تبعوه ، فبنوا قلالي جديدة لسكناهم وابتاعوا من الامير نجم اللمعي حاكم المنطقة، مزرعة وماءها ،تدعى بيت عيال، ثم أقاموا عليهم رئيسا ، وعاشوا حافظين العفة ، والطاعة ، والفقـر واخذ من ثم طلاب الكمال الرهباني يتواردون عليهم ما عدا افعال العبادة والتزهد التي كانوا يمارسونها بدقة، قاموا باعمال رسولية خيرة ، كانوا الفوها على يد الآباء اليسوعيين ، كالوعظ وتوزيع الاسرار ، في الأوساط المسيحية العديدة ، فكانت على يدهـم ثورة روحية كاثوليكية ، أسفرت عن تأسيس رعايا مزدهرة ايمانا وتقوى؛ ولما كثر عددهم ، وانضمت اليهم بعض الاديار الملكية في لبنان وسوريا، نشطوا الى معالجة التخلف الثقافي والمهني، بتأسيسهـم، في اديارهـم ومراكزهم ، المدارس الوطنية ، منذ سنة ١٧٣٥، كما أنهم جعلوا من هذه الاديار والمراكز مواطن لصناعات عديدة مارسوها، كالنجارة والحدادة ، والحياكة ، وفن
الطبابة القديم ، لمعالجة الامراض والاوبئة ، ولعل أجدى فن مارسوه على الصعيد الاجتماعي الثقافي، فن الطباعة بالحرف العربي.
ودير القديس يوحنا الصابغ وابنيته الحالية، هو دير جامع للدوائر التالية :
دائرة الرئاسة العامة ، ودائرة رئاسة الدير وجمهور الآباء، ودائرة الابتداء، ودائرة الضيوف، ودائرة الاكليريكية، ومعهد الطلاب العوام، ودائرة المطبعة القديمة، والمعابد الثلاثة : القديم (بني نحو سنة ١٦٧٠) وكنيسة القديس نيقولاوس بنيت سنة ١٧١٩، وكنيسة السيدة العذراء الجديدة.

آثار الدير التاريخية
١ ـ المكتبة القديمة :
يملك الدير مكتبة مخطوطات قديمة ، غنية جدا ، تكلم عنها البحاثة الفرنسي قولني ١٧٨٥ ، في كتابه «Vayage en Syrie et en Egypte ، فيها الكتب المطبوعة في الدير بين سنتي ١٧٣٣ و ۱۸۹۹، والمخطوطات الكنسية الفائقة الاتقان، والروحية، والكتابية المقدسة ، واللغويـة ، والبيانيـة ، والشعرية ، واللاهوتية ، والمنطقية ومنها الفقهية، والطبية، والفلكية، والتشريحية الدقيقة، وبعضها يرقى الى القرن الثامن
٢ ـ الايقونات :
في معبد الدير القديم بناؤه (نحو منتصف القرن السابع عشر)، مجموعة ايقونات قديمة ، منها يونانية ، ومنها وطنية ، ورهبانية ، وفي معبد القديس نيقولاوس المبني
سنة 1719، وردهة الايقونات الخاصة ، مجموعة كبيرة من اللوحات ، لفنانين انطاكيين حلبيين كجرجس بن حنانيا الشهير ، من مدرسة حلب، وأخرى من مدرسة دمشق، بعضها من ريشة ابناء الرهبانية، الذين عرفوا ان يضفوا على ايقوناتهم طابعاً وطنياً خاصاً.

٣ ـ الايكونوستاز او واجهة الايقونات في كنيسة القديس نيقولاوس:
انه على جانب كبير من الاتقان والزخرف. كله من خشب الجوز، طوله ستة امتار ونصف وعلوه اربعة ونصف، حفرت فيه تماثيل ومشاهد دينية مستوحاة من اسفار
العهدين المقدسين القديم والحديث. جميع هذه التماثيل وأطرها قد فرغ ما حولها، إلا القدر الكافي لتماسكها.

٤ – المطبعة :
هي اول مطبعة عربية في لبنان، انشأها عبدالله زكريا الصائغ الحلبي الملكي الملقب بالشماس لتبتله وتزهده ، وبالزاخر لسعة معارفه في الأدب، واللغة، والفلسفة، واللاهوت. غادر حلب سنة ۱٧٢٢، لاجئا الى لبنان من اضطهاد الفير الكاثوليكيين والسلطات التركية ، وكما كان قد أسس في حلب مع المطران اثناسيوس دباس، سنة ۱۷۰۱ أول مطبعة عربية في الشرق الأدنى، فكر ان يؤسس أول مطبعة عربية الحرف في لبنان ، لتتحف البلاد بالمطبوعات الكنسية والدينية وغيرها : مشروع جبار کرس لتحقيقه عشر سنوات، كان يعمل فيها ليل نهار، مع شاب آخر لبناني من زوق ميكائيل، الشماس سليمان قطان الذي كان، على مثال زاخر بارعا في الادب العربي وفن الصياغة .
اختار زاخر مقرا له ولمطبعته، دير القديس يوحنا المعمدان، الذي كان يرئسه ابن عمه الشهير نقولا الصائغ. إن قلة المواد والادوات اللازمة للمشروع ، وكثرة المناورات والاضطهادات التي اضطرته مرارا عديدة الى قطع العمل والهرب من دير الى آخر، لم تكن لتثني عزيمته الصلبة، وهكذا، بعد جهد جاهد، دام من سنة ۱٧٢٤ حتی اوائل ۱۷۳۳، خرجت، من بين انامله المبدعة ، مطبعة كاملة ، دشنها بطبع ٨٠٠ نسخة من كتاب «میزان الزمان» تم تجليدها سنة ١٧٣٤.
منذئذ راحت المطبعة تتحف الأقطار العربية بالكتب المفيدة، علميًا وروحيًا، فاستعملتها للتدريس المدارس المسيحية خاصة ، وخدمت الوطن والكنيسة مدة ١٦٧ سنة، فتوقفت عن الطبع سنة ١٩٠٠، بسبب مزاحمة المطابع الاجنبية العصرية لها. مطبعة لا تزال محفوظة بكاملها، كأثر من أجل الآثار اللبنانية ، يكفي المتأمل إلقاء نظرة عليها ، ليرى ما فيها من دقة وفن، يدلان على جلد وعبقرية مؤسسها، الذي كتب عنه قولني «أقدم زاخر على تحقيق ثلاثة مشاريع ، هي الكتابة ، وسبك الحروف والطباعة، وقد بلغ أربه بفضل عبقريته ، وثروته ، ومعرفته فن الحفر ، وكما قال عنه احد علماء الطباعة الألمان الذي زار منذ سنوات هذه المطبعة ، فأثارت دهشته وإعجابه “بالحقيقة إن مؤسس هذه المطبعة هو غوتمبرج الشرق”.

كنيسة القدّيس نيقولاوس

جولة في أرجاء الدّير

صور جويّة لدير مار يوحنا

إتصل بنا
04-270557
رقم الهاتف
sgobc@hotmail.com
E mail

البث المباشر